0
Sep 30, 2019
اللحظة القنديلية في مصر؟
(1) بقلم الأستاذ عمر الشافعي كترجمة مبسطة للكتاب وإضاءات منه، بقية
الحلقات في التعليقات على المراجعة، بالإضافة لرابط المصدر.
تاريخ مصر
السياسي الحديث، اللي في تقديري من المناسب اننا نؤرخ له بثورة 1919 اللي
مر عليها 100 سنة بالضبط، ممكن نشوف فيه 3 أنواع رئيسية من الصراع السياسي.
النوع
الأول، وفي تقديري الأهم لمصير البلد وناسها، هو الصراع بين الناس اللي
فوق والناس اللي تحت. والصراع ده نفسه ممكن نقسمه بشيء من التبسيط لنوعين
من الصراع، لنقل فرعين للصراع بين اللي فوق واللي تحت.
اللحظة
القنديلية في مصر؟ (1) بقلم الأستاذ عمر الشافعي كترجمة مبسطة للكتاب
وإضاءات منه، بقية الحلقات في التعليقات على المراجعة، بالإضافة لرابط
المصدر.
تاريخ مصر السياسي الحديث، اللي في تقديري من المناسب اننا نؤرخ
له بثورة 1919 اللي مر عليها 100 سنة بالضبط، ممكن نشوف فيه 3 أنواع
رئيسية من الصراع السياسي.
النوع الأول، وفي تقديري الأهم لمصير
البلد وناسها، هو الصراع بين الناس اللي فوق والناس اللي تحت. والصراع ده
نفسه ممكن نقسمه بشيء من التبسيط لنوعين من الصراع، لنقل فرعين للصراع بين
اللي فوق واللي تحت. فمن جهة فيه الصراع الاجتماعي الطبقي. ومن جهة تانية،
النضال الديمقراطي، أو الصراع بين الاستبداد والديمقراطية (وطبعاً النضال
الديمقراطي ده اقترن في زمن الاستعمار بالنضال الوطني من أجل الاستقلال،
وممكن نقول انه حتى بعد زوال الاستعمار، فضل النضال الديمقراطي وثيق الصلة
بالنضال ضد الامبريالية، حتى لو كانت العلاقة بتبدو أحياناً معقدة).
والنوع
التاني، هو صراع داخل صفوف الناس اللي فوق، يعني صراع على القوة والثروة
والنفوذ بين "أهل القمة". وده بدوره برضه ممكن تقسيمه لفرعين. فمن جهة فيه
صراع على أو داخل جهاز الدولة، وخصوصاً الدولة الصلبة المتمثلة في أجهزة
الدولة الممسكة بالسلاح وأجهزة المخابرات بأشكالها المتنوعة. ومن جهة
تانية، فيه ما يمكن نسميه صراعات التراكم. يعني المنافسات الموجودة على
الصعيد الاقتصادي بين كتل ومصالح مختلفة داخل قطاعات من الرأسمال.
أما النوع الثالث، فهو صراع الإسلاميين مع السلطة، وده صراع بيتقاطع بطرق مركّبة مع النوعين الأول والثاني.
نظام
يوليو 1952 ما أوجدش أي واحد من الصراعات دي. لكن ممكن نقول انه أعطى
الصراعات دي، ولحد النهاردة، أشكال جديدة ما كانتش بتتسم بها قبل كدة.
ناخد
مثلاً الصراع بين الناس اللي فوق والناس اللي تحت. في التلاتين سنة (أو
أكتر شوية) التالية لثورة 1919 الفرعين بتوع الصراع ده كان فيه بينهم صلة
وثيقة ومتزايدة. يعني نضال الكادحين من عمال وفلاحين من أسفل كان هو العامل
الرئيسي اللي بيدفع النضال الديمقراطي ضد الاستبداد والنضال الوطني ضد
الاستعمار. لما جاء ضباط يوليو للحكم، وبشكل أدق لما نظام يوليو رسخ أقدامه
واخد الشكل اللي أفرزته أزمة مارس 54، عمل فصل بين اللي ممكن نسميه
"المسألة الاجتماعية" و"المسألة الديمقراطية". مش هخش في تفاصيل ده هنا،
لكن باختصار، بدا ان نظام يوليو في صيغته الناصرية بينحاز نسبياً للفقرا
وبيحقق لهم إصلاحات وبيلبي بعض مطالبهم (مؤقتاً زي ما هيبان بعد كدة) في
مقابل تكميم الحرية.
وأظن ممكن لو تأملنا شوية نلاقي ان عصر ما بعد
يوليو 52 أدخل تغييرات في الأشكال اللي واخداها كل الصراعات السياسية
المهمة في مصر، لكن برضه مش هخش في ده هنا.
اللي فات ده كان مقدمة
علشان أقول الآتي: خصوصية اللحظة السياسية العجيبة اللي احنا عايشينها في
مصر دلوقت، واللي محيرانة جدا، ممكن الواحد يشوفها كالتالي:
احنا في
لحظة بتشهد لأسباب معقدة تراجع كبير، ولو مؤقتاً وحتى لو ظاهرياً فقط، في
النوعين الأول والثالث من الصراع السياسي المذكورين أعلاه، بينما يستعر
النوع التاني من الصراع، حتى لو بشكل مستتر. الكلام عايز شوية توضيح، من
غير دخول في تفاصيل أو تعمق في التحليل علشان مش عايز البوست ده يطول قوي
وتجنباً للتوهان.
في ظل هزيمة ثورة يناير وجو الإحباط وقلة الحيلة
والخوف السائد، فيه تراجع في الصراع بين الناس اللي فوق والناس اللي تحت.
الطراع ده موجود تحت الرماد، وفيه غضب شعبي على خلفية معاناة كبيرة، لكنه
مكتوم ومش عارف يعبر عن نفسه بصورة مفتوحة. والنتيجة: الصراع رقم 1 متراجع.
وفي
ظل الإفلاس الشديد للإخوان السملمين وللتيار الإسلامي عموماً (جزئياً
نتيجة للقمع لكن لأسباب تانية كتير منها الافتقار الشديد لرؤية سياسية
ناضجة)، فالصراع رقم 3 متراجع.
خصوصية اللحظة بقى هي إنه يبدو ان
الصراع رقم 2، يعني الصراع بين الناس اللي فوق بفرعيه السياسي والاقتصادي،
لكن السياسي بالذات، مستعر جداً رغم انه مش ظاهر للناس وطبيعته مستترة.
هو
ده اللي خلاني اختار للبوست ده، ومجموعة البوستاتت اللي بعديه فيما أنوي
وأرجو، عنوان "اللحظة القنديلية في مصر؟"، والغرض من علامة الاستفهام هو
التأكيد على ان الغرض هنا هو التساؤل وليس القطع بشكل مسبق بطبيعة اللحظة
المصرية الشائكة النهاردة. وتعبير القنديلية ده هو نسبةً للباحث المصري
حازم قنديل اللي نشر بين 2012 و 2016 كتب تلاتة مهمة جداً بالإنجليزي أظن
انها ما خادتش خالص حقها من الاهتمام بما يتناسب مع أهميتها الكبيرة.
وميزة
حازم قنديل الكبيرة في تقديري هي تسليطه الضوء بطريقة غنية جداً على
الصراعات الدائرة داخل أجهزة الدولة الصلبة في مصر كعامل رئيسي في تطوُّر
البلد سياسياً على مدى السبعين سنة الأخيرة. بمعنى آخر، هو مش بيبص على
الدولة كجهاز متجانس، بل كبؤرة لصراعات بين مؤسسات لها مصالحها المختلفة
وطبيعتها المستقلة نسبياً ضمن شراكة في السلطة. وده هو موضوع كتابه الأول
بعنوان "جنود وجواسيس ورجال دولة".
وأنا هنا عايز أقول اني ملاحظ
نغمة بين معارضي النظام المنحط اللي حاكمنا مش مريحة بالنسبة لي. النغمة دي
بتقول ما لناش دعوة خالص بالصراعات اللي بين الأجهزة أياً كانت. الكلام ده
ضيق الأفق جداً لإن فهم طبيعة النظام ده شرط ضروري للنضال ضده وتغييره
بشكل فعال؛ وده لإن صراعات السلطة اللي فوق دي ممكن لو فهمها كويس الناس
اللي تحت يعرفوا يستخدموها لمصلحتهم، سواء في توسيع المجال السياسي وانتزاع
حريات وحقوق أو في تحقيق تغيير جذري.
وبعد الملحوظة دي، أرجع
للموضوع وأقول إنه الجميل كمان ان حازم قنديل اهتم بالإخوان المسلمين
وأتيحت له تجربة فريدة في الاقتراب من الجماعة بل يمكن "دخول دماغها"،
واستفاد من التجربة دي في تخصيص أحد كتبه التلاتة المشار إليها لتحليل بالغ
الأهمية للإخوان من الداخل.
عايز أؤكد ان قراية حازم قنديل مش
هتديلنا طبعاً إجابات مباشرة عن الأسئلة اللي في أذهاننا عن الوضع السياسي
الملتبس في مصر. لكن أظن انها بتوفر لنا خلفية قوية وأساس منهجي للتفكير
بشكل أرقى في طبيعة صراعات الناس اللي في قمة السلطة في مصر النهاردة، ضمن
سياقها التاريخي منذ يوليو 1952.
وإذا كان كتاب حازم قنديل عن
الإخوان بيوسع صورة المشهد المصري ليشمل إلى جانب نظام الضباط ومآلاته
المنافس السياسي الأساسي لهم، فكتابه التالت بيحط موضوع الصراع على القوة
داخل أجهزة الدولة الصلبة في مصر في إطاره الإقليمي والمفاهيمي الأوسع في
إطار دراسة مقارنة شيقة لتجارب مصر وإيران وتركيا.
نقطة أخيرة هختم
بها البوست التمهيدي ده. حازم قنديل بيكتب بطريقة ممتعة وشيقة جدا. ونظراً
لأهمية شغله وطابعه الشيق، هعرض كتبه التلاتة، وخصوصاً الأول والتاني، بشيء
من التفصيل مع أخذ اقتباسات طويلة منها، مش كبديل يغني القراء عن قراءة
الكتب، بل بالعكس في محاولة لتشجيع اللي يقدر يقرا الكتب دي بالإنجليزي على
قرايتها، مع أملي انها تترجم للعربي.
البوست ده طلع معايا بالعامية، لكن غالباً الكتابة بعد كده هتبقى بالفصحى.
وهحاول
بعد العرض التفصيلي نسبياً أناقش، بالتفاعل مع المهتمين، مدى إمكانية
الاستفادة من الشغل ده بصورة نقدية في فهم الواقع الملتبس في مصر والتفاعل
معه. هعمل ده وفي ذهني سؤال مهم: إزاي نستفيد من الصراعات اللي في معسكرهم
علشان نقوي معسكرنا؟
حازم قنديل، جنود وجواسيس ورجال دولة: طريق مصر الثورة
يُهدي
حازم قنديل كتابه إلى "أبطال الثورة المصرية"، لكن الكتاب ليس في واقع
الأمر عن الثورة، فأكثر من 80 في المائة منه مخصّص لتطوّر النظام المصري
خلال العقود الستة السابقة عليها، أي نظام 23 يوليو في مراحله المتعاقبة.
وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في أواخر عام 2012، وينتهي السرد فيها
بظهور نتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت مرشح الإخوان المسلمين
الاحتياطي، محمد مرسي، إلى كرسي رئاسة مصر. وصدرت بعد ذلك بسنتين طبعة
ثانية لم يُدخل المؤلف فيها أي تغيير على الطبعة الأولى، سوى أنه أضاف
خاتمة من 20 صفحة بعنوان: "30 يونيو: الجيش يرد الضربة؟" ويتميز الكتاب
بالتوثيق الممتاز وحسن استخدام مراجعه الكثيرة للبرهنة على صحة منظوره،
والأسلوب الشيق والسلس، والنسج الماهر لوقائع معقدة في سردية منسجمة.
المقدمة
إذا
كان العنوان الفرعي للكتاب: "طريق مصر إلى الثورة" يوحي بأن المؤلف يبحث
جذور الثورة وأسبابها التاريخية، فإن المقدِّمة سرعان ما تنفي ذلك. يكتب
فيها حازم قنديل: "الأسباب الجذرية لثورة 25 يناير في مصر يستحيل تمييزها
وتصنيفها مثلها في ذلك مثل تلك التي ألهمت أي ثورة. يجب على المرء على
الأقل أن يُقر بأن الوقت لا يزال مبكرًا على تحديد لماذا خرجت الملايين
التي قُمعت لأمد طويل للغاية إلى الشارع في هذا اليوم المحدَّد وعقدت العزم
على عدم العودة إلى البيوت" (ص 1). وبعد قليل يضيف المؤلف: "بالمثل، فإن
توقُّع نتيجة هذه الانتفاضة الهائلة لا يمكن عند هذه النقطة سوى أن يكون
ضربًا من التخمين؛ وإذا ما ظهر بالفعل نظام جديد، فإن تبلوره سيستغرق
سنوات. ولذا، فإذ ينأى بنفسه عن تلك المهام الجسام – والعقيمة على الأرجح –
يستهدف هذا الكتاب هدفًا ملموسًا أكثر تواضعًا بكثير، ألا وهو فهم ما جعل
الثورة ممكنة متى اكتملت شروطها المسبقة" (ص 1). بعبارة أخرى، لا يسعى
قنديل إلى الإجابة عن السؤال "لماذا"، بل عن السؤال "كيف". وهو يكتب:
"بدلاً من السؤال عمّا تسبَّب في الثورة، أحاول أن أشرح كيف فُتح لها
الطريق. كيف تسنّى للشعب أن يتحدى دكتاتوريته التي بدت لا تُقهر وأن ينجح
في مسعاه؟ تكمُن الإجابة في هذه الحالة، كما في عدد لا يُحصى من الحالات
الأخرى، في موقف الجيش وقوات الأمن. فكونه يتعذّر على أي ثورة أن تنتصر ما
دامت الأجهزة القسرية للنظام القديم قادرة على قمعها وراغبة فيه لهو أحد
الحقائق البديهية القليلة في حقل نظرية الثورة. بل إن المرء قد يزعم أن
باحثي الثورات لا يتفقون على الكثير عدا ذلك" (ص 1-2).
لماذا إذن
حققت الثورة المصرية نجاحًا أوليًا تمثَّل في إسقاط مبارك؟ يكتب قنديل:
"النجاح الأوّلي للثورة في مصر يتحدى الفرضية التبسيطية القائلة بأن قوات
الجيش والأمن هي بالأساس ’القبضات الحديدية‘ أو ’الأيادي الثقيلة‘ للسلطة
أو غير ذلك من مثل تلك المجازات التي تصوِّرها كمجرد ذيول وليس كمؤسسات
مستقلة لها مصالح تشاركية (corporate) متمايزة. إن القوات المسلحة والمؤسسة
الأمنية هما شريكان كاملان في الكتلة الحاكمة لأي بلد. إنهما يعملان مع
الجهاز السياسي وليس لصالحه – بغض النظر عمّا يقوله الدستور. وفي حين أن
مصالح الشركاء الثلاثة عادةً ما تتلاقى (في إسقاط لصورة القوة)، فإنها
أبدًا لا تتماثل" (ص 2).
المؤسستان العسكرية والأمنية إذن شريكتان
للجهاز السياسي. فكيف يستطيع القادة المدنيون إخضاع شريكيهما القويين؟ يكتب
قنديل: "إنهم عادةً ما يتفاوضون على ترتيب للقوة يُعيِّن حدود دوائر
النفوذ. والوزن النسبي لكلٍ من المؤسسات الثلاث هو الذي يجعل نظامًا
ديمقراطيًا، وآخر خاضعًا لسيطرة الجيش، وثالثًا دولة بوليسية سلطوية. ولذا،
يجب أن يبدأ تحليل أي نظام بتوضيح (أو كشف غموض) العلاقة داخل ’مثلث
القوة‘ هذا. وهذا هو جوهر الواقعية المؤسسية، التي تُسلِّط الضوء على صراع
القوة الذي لا يلين بين مؤسسات حريصة على مصالحها الخاصة داخل الدولة. إنها
تفهم الدولة لا ككيان مشيَّء أو مصمت، بل كخليط من المؤسسات، لكلٍ منها
أجنداته الخاصة الرامية إلى تعظيم قوته. أحيانًا ما تكون متنازعة (مهما كان
النزاع خافتًا)، وفي أحيان أخرى متحالفة، لكن هدفها يكمن دومًا في تعزيز
مصالحها. وبطبيعة الحال، تنتج عن هذه المنافسة تشكيلات للقوة تعطي الأفضلية
لبعض المصالح بينما تكبت مصالح أخرى، ولكن مجرد تغيرات طفيفة في الظروف
الداخلية أو الجيوسياسية يمكن أن تُخلّ بالتوازن القائم، الأمر الذي
يُعجِّل بجولة جديدة من الصراع تفرز في النهاية تكوينات جديدة للقوة. وبهذه
الطريقة، يمكن أن نرى أن نوع النظام يعكس توازن القوى القائم في أي وقت
بعينه، وليس تراتبية رسمية أو ممارسات متأصلة" (ص 2-3).
ويستطرد المؤلف
شارحًا أن "نقطة بداية جيدة لتحليل الصراع داخل مثلث القوة المصري تتمثّل
في انقلاب يوليو 1952، حينما أجرى قادة حركة الضباط الأحرار (مثلهم مثل
صنّاع أي انقلاب) تقسيمًا فوريًا للعمل بين هؤلاء الذين يديرون الحكومة،
وأولئك الذين يتولون الأمن، وأولئك المسيطرين على سلك الضباط. وتراوحت
مكونات هذا النظام المتمايز داخليًا بين التعاون والتنافس على مدى العقود
الستة التي تلت الانقلاب. ويعود ذلك إلى كون مصالحها، وإن تداخلت أحيانًا،
ظلت منفصلة بالأساس. فالقيادة السياسية احتاجت إلى التأييد العسكري و/أو
الأمني للحفاظ على سلطتها إذا ما رفضت الجماهير أن تطيع، لكنها لعبت على
التنافس بينهما لزيادة استقلاليتها وتجنُّب أن تقع رهينة لأي منهما. وفهمت
المؤسسة الأمنية أن نفوذها يتوقًّف على استمرار الأوتوقراطية، وأن الانتقال
إلى الديمقراطية سيكون نذيرًا بأفول قوتها. أما الذين بقوا في الجيش، فقد
أربكتهم الآثار الضارة للتسييس على الجاهزية القتالية للقوات وصورتها
العامة. وذهب تفضيلهم إلى العودة للثكنات بعد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة،
وعدم التدخل مجددًا إلا عند الضرورة. وبدافع من مصالح متنوعة، انجذبت
المؤسسات الثلاث حتمًا نحو منافسة محمومة على السيطرة على النظام، منافسة
تجلّت داخل بيئة داخلية وجيوسياسية مضطربة. ومن المؤكد أن الهدف لم يكن هو
قضاء مؤسسة على البقية، بل أن يُخضع شريك واحد في الكتلة الحاكمة الشريكين
الآخرين.
ولسنوات، أدت التحالفات المتغيرة بين مكوّنات هذا المركَّب
الحاكم المثلث، وكذلك بينها وبين القوى المتدخلة داخل البلد وخارجه، إلى
تغيير مستمر في ميزان القوى بينها. ومع ذلك، فإن المسار العام شهد التحامًا
تدريجيًا بين المكوِّنين السياسي والأمني للنظام لإبعاد الشريك الثالث إلى
الهامش. وبدأ نظام السيطرة العسكرية في الخمسينات يتهاوى بحلول السبعينات.
وفي اليوم الذي تقلَّد فيه حسني مبارك منصب الرئاسة، كانت مصر قد تحوّلت
بالفعل من دولة عسكرية إلى دولة بوليسية. أما اليوم الذي شهد عزله، فقد جاء
به جيش رأى في الانتفاضة الشعبية فرصة لإنزال العقاب" (ص 3-4).
ويختتم
قنديل المقدِّمة شارحًا بنية الكتاب. "بعد استعراض قصير للمظالم العسكرية
الكامنة وراء انقلاب 1952، تفحص فصول الكتاب الخمسة الأولى بكثير من
التفصيل الحلقات المضطربة التي حبست مصر في مسارها المقدَّر: أزمة مارس
1954؛ هزيمة يونيو 1967؛ "ثورة التصحيح" في مايو 1971؛ حرب أكتوبر 1973؛
ثورة يناير 2011. ويتناول كل فصل توازن القوى، والمسائل موضع الرهان،
والأحداث المؤسِّسة، والنتاج الذي أعد المسرح للمواجهة التالية. ويعرض
الفصل الختامي ثورة 25 يناير بوصفها واحدة من حلقات عدة من الصراع، وهي
حلقة بدَّلت ببساطة مواقع اللاعبين وأعادت تأسيس حقل القوى لكي تمهِّد
الطريق أمام جولة أخرى" (ص 4).
وسألخص فيما يلي الفصل التمهيدي القصير عن العد التنازلي لانقلاب يوليو 1952.
تمهيد: العد التنازلي لانقلاب يوليو 1952
يبدأ
قنديل هذا الفصل بملاحظة مفادها أن نتاج الثورة نادرًا ما يتطابق مع نوايا
القائمين بها، وأن كلًا من انقلاب 1952 وانتفاضة 2011 في مصر يبرهن جليًا
على ذلك. غير أن فحص خلفية ونوايا أولئك الذين حاولوا إسقاط حكامهم يساعد
في الكشف عن منطق النظم التي أفرزوها عن غير قصد. وهو في هذا الفصل القصير
يجري هذا الفحص لخلفية ونوايا ضباط يولو تمهيدًا لدراسة النظام الذي بنوه
في مراحله المختلفة في فصول الكتاب اللاحقة.
فما الذي ألهم بالضبط
انقلاب يوليو 52 الذي نفذته مجموعة سرية من صغار الضباط أطلقت على نفسها
اسم "حركة الضباط الأحرار"، فأعدت بذلك المسرح للنظام الجديد في مصر؟
...more